الناقد عصام الدين صقر
إن القصة القصيرة كجنس أدبى فى الأدب الحديث والمعاصر تحتل عناية فائقة ومكانة متميزة فى الأدب العربى، لما لها من قدسية تاريخية ودينية حيث وردت فى القرآن الكريم كثيرا، كقصة قارون وقصة النبى عيذرا وقصة أصحاب الكهف وقصة عاد وثمود وقصة ابى لهب وامرأته حمالة الحطب…. إلخ.
فالقصة القصيرة عاشت ردحا من الزمان، ولا زالت باقية، إذ انها تجربة أدبية تعبر نثرا عن لحظة فى حياة إنسان، فهى بالشكل المكثف الموحى تلائم الإيقاع السريع لحركة العصر ولحظات الإنسان الحياتيةالمعبرة ، حيث أن هناك لحظات عابرة موحية لايصح التعبير عنها سوى بة، وهى تلك اللحظات التى يلتقطها خيال الكاتب لتصوير لحظة او موقف معين التقاطا يقوم على التركيز والتكثيف اول ما يقوم، لوصف لحظة واحدة، هذه اللحظة قد تمتد زمنيا لساعات او ايام أو اسابيع او من الممكن أن تمتد لشهر او اكثر، بيد ان القاص لا يهتم هنا بما يهتم به الروائى إذ انه يمضى قدما نحو تعميق اللحظة التى يصورها، إعطاء لإيحاء معين مركز حول ما تدل عليه وتعنيه تلك اللحظة، فهو معنى ومنوط بتصوير تلك اللحظة، أو الموقف الإنسانى الحامل للفكر الإنسانى الباطن فى العقل الجمعى، وبينما هو كذلك، تراه وقد انصرف جل تركيزه إلى كشف حقيقة كبرى من خلال قصته المجسدة للموقف الإنسانى المعنى إيصاله وتصديره لذهن المتلقى، وهنا يجب الوقوف والحذر لإلقاء الضوء على ان القصة القصيرة يجب أن تأتى مشمولة بقوة التركيز وحرارة الوصف، وهو ما قد تفقده القصة بقصر حجمها، وهذا مأزق تتجلى فيه صعوبة القصة القصيرة لما تحويه من الطرح الاستقرائى وعلاقته بالمضمون الدلالى، لذا يجب النظر دائما والانتباه إلى مدى إلمام الكاتب بتقنيات القصة القصيرة، وانعكاسات ذلك على أداءه، الذى يمكنه من الوصول إلى مرحلة عالية من التفاعل بين الكاتب والقارئ إذ انها على هذا تكون شأنها شأن قصيدة النثر ينبغى أن تكون ذات إيقاع فكرى وجو نفسى واحد، وأيضا يجدر بنا القول والإشارة إلى استخدام اللغة فيها بدقة كمعين ذهبى للتقديم، إذ ان تركيبها قد يختل بزيادة كلمة او جملة أو نقصانها أيضا، وهذا هو ذات مؤدى القصيدة النثرية، أيضا يجب أن تؤدى فى النهاية إلى نكزات انطباعية تتركها فى ذاكرة المتلقى.
هذا وعلى ضوء ماسبق أود القول أنه من تقنيات القصة القصيرة أيضا لحظة النهاية،
تلك اللحظة المسماة فى النقد التقليدى ب لحظة التنوير، فهذه اللحظة يجب أن تكون عميقة المغزى شديدة التأثير حتى تظل القصة عالقة فى ذهن المتلقى، وإن انتهى من قراءتها.
وازيد إلى قولى قولا، ان القصة القصيرة هى مولود بين ضفتى الواقعية والمحاكاة، حيث أنها شديدة الالتصاق بالواقع اليومى وتفاصيله، لتلقطه عين الأديب كنسر محلق فى الفضاء، كما أنه لا يوجد حجم قيده النقد للقصة القصيرة، ولكن نرى مراعاة عدم ملالة القارئ.
وبالنظر فى العمل الماثل اليوم (ان ترى نجوم الليل) للكاتبة هبة البدهلى ستجد ان هناك تباينا ملحوظا فى حجم القصة وتنوع أفكارها، غلب عليه روح الأنثى التى أنابت نفسها متحدثة وراصدة لهموم ومشكلات بنات جنسها، فهى كاتبة متميزة استطاعت استدعاء انتباه قارئها كما فى استهلال قصة لون أخر للحياة وقدرتها على الانتقال بين المشاهد رائعة حد الحرفية والتغريب فى غالب العمل ودلالة ذلك قدرتها على توظيف الأفعال بين الفعل الماضى والمضارع، كما قدرتها أيضا على كتابة المشاهد بطريقة السيناريو السينمائي، إلا انها وقعت فى فخ المباشرة احيانا، وكعادة معظم كتاب القصة والرواية حاولت تفادى الاصطدام الأول باللغة ولكنها اصطدمت بالفعل، وهنا يجب القول أن التدقيق اللغوى للعمل من الأهمية بمكان لسموه بالنص مراتب الإبداع الكبير، وعلى سبيل المثال قصة حافظة الأحلام، مارست فيها الكاتبة فكرة الاستهلال الزمانى للقصة، ثم عبرت عن فكرة العادات والتقاليد الشرقية وفكرة الاستبدال الحتمى كمناط لتغيير الخط الحياتى للإنسان إلى آخر أفضل، لاستعادة ترتيب الأوراق والبيت من الداخل.
وفى قصة لقاء عاجل عمدت إلى فجائية الدخول للحدث القصصى عبر الاستدعاء الاندهاشى، لكن القصة فى مجملها فكرتها عادية جدا ومباشرة ومكررة.
وهناك استهلال رائع فى قصة التفاحة، حيث من ذكائها انها استرعت انتباه قارئها ضمن الجملة الخبرية، ومن جماليات الدهشة لديها انها جعلت الذات السردية تتحدث بلسان الذات العليمة لتصدير فكرة السلام الداخلى والقناعة على لسان بطل القصة التجريدى، ذلك الذى لا يملك شيئا، لكنه مع تفاحته ملك الدنيا بأسرها.
وننتقل إلى قصة ليلة، التى طوت فى مطاويها الكثير من تقنيات القصة القصيرة.
وايضا قصة امرإة الصمت واستهلالها الرائع، وقصة الوطن وذلك الرصد والتصدير الرائع لمعاناة انثى وتجسيد اهم احتياج انثوى وهو الاحتواء.
ومن التاريخ الإسلامى انت بقصة بعنوان حبابة
وهى جارية يزيد بن معاوية، تلك القصة التى جسدت فكرة الوفاء وتعلق روح بروح.
نكتفى بهذا القدر متمنيا التوفيق والسداد من الله عز وجل.