متابعة : محمد جمعه الشافعي
ميتا الصحفية:
أعتقد إنه ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها في هذا الموضوع فتحدثنا عنه كثير وتحدث عنه الكثير “لـ” ثلاثون عاماً، ومازال الفشل يتصدر المشهد حتى الآن إتفاقية «أوسلو» والحصاد صفر! فهل أحد أسباب الفشل هو أنها لم توقف التوسع الإستيطاني الإسرائيلي؟ أم أسباب أخرى متعمدة من الجانب الإسرائيلي أدت إلى الفشل؟، وهل الوساطة الأمريكية كانت تتعمد التجاهل أم كانت تقوم بالإشراف على الفشل؟، ففي عام 1993 تم التوقيع على إتفاقية «أوسلو» المزعومة وسط تهليل دولي واسع النطاق آنذاك، وبعد مرور ثلاثين عاماً، لا يزال الوعد بالسلام الإسرائيلي الفلسطيني بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى، وكان المستوطنون حينها يشكلون 2% فقط من سكان إسرائيل، و3% فقط من سكانها اليهود، أما اليوم فقد أصبحت هذه الأرقام 5% و7%!.
إنها واحدة من أكثر المشاهد شهرة في القرن العشرين، في يوم مشمس خارج البيت الأبيض، حيث يقف الرئيس”بيل كلينتون” مفتوح الذراعين أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي “إسحاق رابين” والرئيس الفلسطيني “ياسر عرفات”الثنائي الأخير ممثلا حركتين تشكلان بحكم تعريفهما تهديدات وجودية للآخر، وأمسك براحتيهما للمرة الأولى، وحدثت المصافحة التي هزت العالم في 13 سبتمبر من عام 1993،وجاءت في أعقاب أشهر من المفاوضات المعقدة والسرية بين الطرفين في العاصمة النرويجية “أوسلو”وكان إعلان المبادئ الذي جاء في ذلك اليوم في البيت الأبيض هو الأول من سلسلة من الإتفاقيات المؤقتة التي تم التوصل إليها خلال التسعينيات، والتي كانت تهدف إلى بناء التعاون بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كان يتزعمها آنذاك “ياسر عرفات”.
وكانت تهدف إتفاقيات “أوسلو” إلى إيجاد حل الدولتين من خلال منح الفلسطينيين دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن الفلسطينيين رفضوا العروض، وأوقفوا المفاوضات،
وأدى تنفيذ إتفاقات “أوسلو” إلى تغييرات كبيرة، مثل إنسحاب القوات الإسرائيلية من المراكز السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وغالباً ما يتم التغاضي عن هذا التغيير عند تقييم التأثير الإجمالي للإتفاقات،
وبدلاً من العمل من أجل السلام، قام الرئيس “ياسر عرفات” بتأسيس سلطة فلسطينية غير متوافقة مع غالبية الشعب الفلسطيني، الأمر الذي أدىّ إلى فرض المصاعب اليومية، والعقوبات على الفلسطينيين،، إلى جانب الصراع المستمر، وعدم إحراز تقدم إلى إنخفاض كبير في دعم حل الدولتين بشكل عام.
ولم يكن من المفترض أن يعيشوا حتى مرحلة المراهقة السياسية، ناهيك عن مرحلة البلوغ، وكان من المفترض أن تتلاشى إتفاقيات “أوسلو”إتفاقية السلام التي وقعتها إسرائيل والفلسطينيون في عام 1993، وبعد خمس سنوات، سيستقر كلاهما في دول ذات سيادة داخل حدود ثابتة، وسوف تصبح الصفقة المؤقتة عفا عليها الزمن، ولكن خمس سنوات جاءت وذهبت، ثم خمس سنوات أخرى، وخمس مرات أخرى، وأصبحت الفترة المؤقتة دائمة، وفي الثالث عشر من سبتمبر من هذا العام تحل ذكرى هذه الإتفاقية المزعومة، وتبلغ الإتفاقية عامها الثلاثين، وتمثلت إنجازاتها الدائمة في إنشاء حكومة فلسطينية محدودة فاشلة من وجهة نظر معظم الفلسطينيين، وتحقيق قدر من الإعتراف المتبادل بين الجانبين، ووعود السلام لم تتحقق حتى يومنا هذا !.
ولم تشفع حالة الرفض الشعبي الفلسطيني والعربي لتوقيع إتفاقية “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية، والإحتلال الإسرائيلي منذ ثلاثين عاماً، من وضعٍ حدٍ له، وهو الإتفاق الذي تسبب في إدخال القضية الفلسطينية في أزمة وطنية، وللأسف السلطة الفلسطينية لا تستطيع، أو إن صح التعبير لا تريد أن تتحلل من إتفاقية “أوسلو”التي كبّلت نفسها بها، رغم إستمرار الفشل الذي يلاحقها منذ ثلاثون عاماً، وأكدنا مراراً وتكراراً بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تصلح في في أي وساطة سلام بين إسرائيل وفلسطين، ولا تصلح بأي شكل من الأشكال بالتدخل كوسيط في القضية الفلسطينية لأنها تدعم الإحتلال الإسرائيلي دعم مطلق، وتتحيز له بشكل دائم ومستمر فيكف تكون وسيط سلام؟.
وأشير: في مقالي إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية هي أحد أبرز مخرجات إتفاق “أوسلو”، وأن قيادة السلطة الفلسطينية ملتزمة تماماً بما نص عليه إتفاق “أوسلو” المزعوم فيما يتعلق بدورها في حماية وتوفير الأمن للإحتلال، رغم الجرائم التي يرتكبها الإسرائيليون صباحاً ومساءً
ونرىّ أنّ سلطات الإحتلال الإسرائيلي معنية ببقاء السلطة الفلسطينية، وتقديم الدعم لها من أجل خدمتها ومنع إنهيارها، وأن سلطة الرئيس”محمود عباس” تستمد قوتها من الإحتلال نفسه، وأصبحت تستقوي به لإرتكاب المزيد من الجرائم بحق المقاومة، والشعب الفلسطيني هذا ما نراهُ نحن ويراه الكثير من المراقبين والمعنيين بهذا الشأن.
كما أشير: في مقالي إلى أنه من خلال مسار “أوسلو” المزعومة، إعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق الإحتلال في الوجود الشرعي القانوني والرسمي، والمؤسف أنها إعترفت أيضاً من خلال الإتفاق برسائل الضمانات المتبادلة بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل “ياسر عرفات” ورئيس وزراء حكومة الإحتلال الأسبق”إسحاق رابين”، بحق إسرائيل في الوجود، وتعهدت بحماية أمن الإحتلال وملاحقة وإعتقال وتسليم كل من يهدد إستقرارها!!.
وكانت”أوسلو”غطاء سياسي وأمني للإحتلال لثلاثين عاماً
وأن هذه الإتفاقية المزعومه فتحت الباب واسعاً للإستيطان ووفرت البيئة الأمنية، والسياسية والإقتصادية المواتية لنموه ليبلغ عدد المستوطنين “726” ألفاً موزعين على 176 مستوطنة، و”186″ بؤرة إستيطانية مسيطرين بذلك على 40 بالمئة من مساحة الضفة الغربية بعد أن كان تعدادهم 150 ألف مستوطن، يقطنون 144 مستوطنة قبل إتفاق “أوسلو” والتوقيع عليها في عام 1993، وهذا الإتفاق المشين، رغم أنه مات، إلا أنه مازال حياً ومستمراً بتوفيره الغطاء السياسي والأمني للإحتلال الإسرائيلي عبر التنسيق الأمني على الأرض بشكل واقعي، من خلال الإختراقات الإسرائيلية التطبيعية التي تتجاهل حل الدولتين، والحقوق الفلسطينية، والعربية في فلسطين في نفس الوقت.
وألفت: في مقالي إلى أنه لا تزال إتفاقية”أوسلو” المرجعية التي يتم من خلالها قمع الشعب الفلسطيني تحت بند التنسيق الأمني والحل السلمي !، فالإتفاق الذي مات منذ “30” عاماً مازال يتحرك من خلال مشروع الجنرال الأمريكي”كيث دايتون” الأمني في العام 2007 بملاحقة المقاومين، وقمع الفلسطينيين والتضييق على حراكهم المشروع ضد الإحتلال، والسيطرة العسكرية على الضفة، وأن اتفاق المشين”أوسلو” سمح للإحتلال بإحكام سيطرته العسكرية على مناطق الضفة الغربية بأكملها، وربط الإقتصاد الفلسطيني بالإقتصاد الإسرائيلي، وأحكم سيطرة الأحتلال على الإستيراد والتصدير والجمارك والعمالة وتنقل المواطنين أيضاً.
لافتاً؛ في مقالي إلى أن الشعب الفلسطيني من خلال وعيه وفطنتةُ وحكمتهُ وجهاده ومقاومته الحكيمة والرشيدة، وتضحياتهُ المستمرة، ما زال يرفض الإحتلال ويتمسك بالتحرير الكامل والعودة الشاملة، ولا تزال أجيال المقاومة التي ولدت بعد إتفاقية”أوسلو” المزعومة تدمر بنيان الإحتلال بينما الإحتلال يعاني أزمات وجودية، والسلطة الفلسطينية التي تنتقم من الشعب الفلسطيني بدلاً من أن تساندة وتؤاذره تعاني أزمات أكبر وأكبر رغم أن السلطة الفلسطينية تعلم جيداً كما يعلم العالم بأسرة بأن
إتفاقية”أوسلو” الفاشلة صمتت وغضت البصر عن الواقع الإستيطاني في الضفة الغربية، وسمحت بتأجيل التفاوض عليه للمرحلة النهائية، وإستوعبت السلطة الفلسطينية هذا التغول الإستيطاني في الضفة الغربية.
كما ألفت؛ في مقالي إلى أنه بعد إتفاق “أوسلو” إرتفع عدد الدول التي تعترف بالإحتلال الإسرائيلي من “110” إلى “166”وإرتفعت نسبة الدول التي تعترف بالكيان الصهيوني المجرم والمحتل في الأمم المتحدة من 60% إلى 88%،
وتعتبر إتفاقية “أوسلو” التي هلل لها الجميع والتي تم توقيعها في واشنطن في 13 سبتمبر من عام 1993، أول إتفاقية رسمية مباشرة بين دولة الإحتلال المغتصبة للأرضي الفلسطينية ممثلة بوزير خارجيتها حينها”شمعون بيريز”، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية آنذاك”ياسر عرفات”، وعلى الرغم من مرور ثلاثين عاماً من كارثة إتفاقية “أوسلو”، التي جلبتها الولايات المتحدة فإن هذا الإتفاقية، وكل مراحلها فشلت في إنهاء القضية الفلسطينية، أو وقف المقاومة أو منع الإنتفاضة.
وأختم مقالي الصحفي حيثُ أقول: إن ما أُطلق عليها أسم إتفاقية” أوسلو” التي أصبحت فيما بعد بصيغة الجمع بعد الإتفاقيات اللاحقة نص على إنشاء السلطة الفلسطينية، من بين أمور أخرىّ، وكان الإعتقاد السائد أن هذه الهيئة السياسية من شأنها أن تمكن من توسيع الحكم الذاتي الفلسطيني في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة في حين يتم تسوية قضايا الوضع النهائي، وإن مفهوم “حل الدولتين” ليكون دولتين إسرائيلية وفلسطينية منفصلتين وذات سيادة تعيشان جنباً إلى جنب، لم يكن منصوصاً عليه صراحةً قبل 30 عاماً، لكن إتفاقيات “أوسلو” أصبحت المنطق الدافع له ووضعت خارطة طريق لحل وسلام دائم، وفي ذلك الوقت، بدا هذا الإنجاز الدبلوماسي بمثابة لحظة تاريخية بعد سنوات من الصراع وإراقة الدماء في الأراضي المقدسة ولكن فشلت فشلاً ذريعاً.
وبعد ثلاثة عقود من الزمن، فإن إستحضار “أوسلو” في سياق الشرق الأوسط يستحضر شعوراً بالهزيمة، ويبدو أن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أصبح الآن أقل إحتمالاً مما كان عليه في عام 1993، وفي إنتهاك للقانون الدولي، توسعت المستوطنات الإسرائيلية في معظم أنحاء الضفة الغربية، فقسمت الأراضي الفلسطينية مع الحفاظ على طرق، وسلطات قضائية جديدة للمستوطنين اليهود، ويتم تحويل طبقات المياه الجوفية تحت الأرض إلى المستوطنات، مما يفرض نقصاً مزمناً في المياه على الفلسطينيين، وأصبحت القدس الشرقية، العاصمة المفترضة للدولة الفلسطينية المستقبلية، موطناً لأكثر من 200 ألف مستوطن يهودي، ويواجه العديد من السكان الفلسطينيين هناك حملة ضمنية لإجلائهم من الأحياء التي عاشوا فيها لأجيال.
ولا يُظهر الحكم العسكري الإسرائيلي الراسخ لملايين الفلسطينيين أي علامة تذكر على التراجع ، وقد دفع منظمات حقوق الإنسان الرائدة في العالم في السنوات الأخيرة إلى التأكيد على أن ظروف الفصل العنصري هي السائدة في الضفة الغربية المحتلة،
في الوقت التي أصبحت فيه السلطة الفلسطينية ضعيفة وغير شعبية على نحو متزايد، وبعيداً عن كونها هيئة مؤقتة تحركها روح الحركة الوطنية الفلسطينية، فهي مؤسسة متصلبة يمزقها الفساد، ويتولى زعيمها”محمود عباس” خليفة “ياسر عرفات” رئاسة لخدمة الإحتلال على حساب خنق المجتمع المدني، ومحاولة إضعاف المقاومة، فضلاًعن؛ أنه يتهرب مراراً وتكراراً من الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة.
وأؤكد: في مقالي هذا أن الإحتلال الإسرائيلي كسب مما بشرت به إتفاقيات “أوسلو” أكثر مما كسبه الفلسطينيون، وقد عجلت هذه الإتفاقيات بتدفق الإستثمارات الأجنبية إلى إسرائيل، مما ساعد على إطلاق الطفرة التكنولوجية التي دفعت نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل إلى أعلى من نظيره في معظم الدول الأوروبية وفي الوقت نفسه، وفي ظل وهم عملية السلام الراسخة، عززت إسرائيل سيطرتها الفعلية على الأراضي الفلسطينية، ولقد أعطت إتفاقيات “أوسلو”حسب وصفنا المتواضع بـ “الخيال” والوهم المشترك بأن إحتلال إسرائيل للضفة الغربية كان مؤقتاً فقط،
وقد تبنّت الإدارات الأميركية المتعاقبة هذا الوهم، فأعطت الأولوية لمصالح إسرائيل الأمنية في حين ساعدت في إبقاء “محمود عباس” الذي لا يحظىّ بشعبية كبيرة، والذي يعتبره بعض الفلسطينيين خادماً للإحتلال.
وهذا ما أكده “نتنياهو” بشكل واضح لزملائه في إجتماع لمجلس الوزراء هذا الصيف أن إسرائيل بحاجة إلى التعاون مع السلطة الفلسطينية، ولكنها تحتاج أيضاً إلى سحق التطلعات الفلسطينية إلى إقامة دولة، وهو سبب وجود السلطة الفلسطينية المفترض حتى الآن، وهكذا يستمر وهم أوسلو في الظهور، بدعم من المجتمع الدولي، ولكن نقطة التحول قد تكون قاب قوسين أو أدنى، وبعد مرور ثلاثين عاماً، من من الوهم المزعوم أن تستمر تمثيلية “أوسلو” لفترة أطول وخاصةً بعد أن أستولى المتعصبون المروعون على السلطة “حكومة اليمين المتطرف” في إسرائيل ويضاعفون جهودهم لتهويد كل ركن من أركان فلسطين التاريخية، ولكن ربما قد يكون الفصل العنصري لا يمكن أن يكون البديل لحل الدولتين، وبالتأكيد ليس على المدىّ الطويل.