متابعة: محمد جمعه الشافعي
نجد أنه من السهل التحدث عن القيم الإسرائيلية الأمريكية المشتركة إذا تجاهلت الفصل العنصري الذي تفرضه الحكومة الإسرائيلية على ملايين الفلسطينيين، ناهيك عن تقويض رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” للديمقراطية الإسرائيلية، وأركز في بداية مقالي على ماضي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل المشترك، وخاصةً في الوقت الذي يحتج فيه الإسرائيليون على سياسات حكومة “بنيامين نتنياهو” المتطرفة، ونجد من النفاق الإدعاء الأمريكي بقلق عميق بشأن الهجمات على العائلات الفلسطينية، ثم الإبتسام لإلتقاط صورة مع رئيس الحكومة لتُمكين هذه الإنتهاكات لحقوق الإنسان والحفاظ على الوضع الراهن.
وقد شاهدنا وشاهد العالم بأسرة الوضع داخل دول الإحتلال، من إستمرار الإحتجاجات وتوالي الإضرابات الغير مسبوقة التي وصفها رئيس الحكومة الفاشية والمتطرفة نتنياهو”بـ” أيام الخرب بعدما أعلن أكثر من “1140” ضابط من سلاح الجو الإسرائيلي بتعليق تطوعهم بالجيش، إحتجاجاً على خطط الحكومة”بـ” إصلاح النظام القضائي، وفق هئية البث الإسرائيلي، ويعُد هذا الإعلان هو الأحدث في إحتجاجات ضباط الإحتياط على خطط الحكومة، التي تقول فيها المعارضة إن من شأنها تحويل إسرائيل إلى ديكتاتورية.
وذكرت”هيئة البث الإسرائيلية” الرسمية أنه إتخذت مجموعة الطيارين ومستخدمي سلاح الجو القرار معاً، فيما أجرىّ أفرادها مناقشات معمقة حول الأمر منذ ساعات، فيما يصف الطيارون هذه الساعات بالحرجة وأنهم سوف يقدمون خطابات شخصية لقادة أسراب الطيران التي ينتمون إليها،
وقال؛ الموقعون على عريضة بهذا الشأن إنهم لا يستطيعون تنفيذ المهام الموكلة إليهم في ظل نظام حكم يتم فيه إنتهاك أسس الديمقراطية، وتزداد فيه الفجوة التي ستقود الدولة إلى أن تكون دولة دكتاتورية، وفق تعبيرهم، هذا يعُد مؤشر خطر لأن معنى هذا أن سلاح الجو الإسرائيلي أصبح لم يعُد قادراً على خوض أي حرب في الوقت الراهن.
ومن جهته، فقد هاجم زعيم المعارضة الإسرائيلية”يائير لابيد”رئيس الحكومة “نتنياهو” وإتهمه بأنه يكذب، ويقود الدولة والجيش نحو التفكك وأن حكومته المتطرفة هي المسؤولة عن الشرخ المجتمعي والمساس بأمن إسرائيل، وفي وقت سابق حذّر قائد سلاح الجو الإسرائيلي “تومر بار” من أن الأقاويل اللاذعة تجاه الجيش تمس التماسك في صفوفه، وإذا واصلنا إلحاق الضرر به، فسوف يستغرق الأمر سنوات للتغلب على أضرارها، وفق ما نقلتة هيئة البث الإسرائيلية عن قائد سلاح الجو.
ونرىّ ويرىّ الكثير أنه لا يوجد شيء معقول في خطط حكومة “نتنياهو” لترسيخ الفصل العنصري وتنفيذ أجندتها اليمينية المتطرفة، وهذا هو سبب عزم نتنياهو على منع المحكمة العليا الإسرائيلية من تقييم “معقولية” أفعال الحكومة، فما هو المعقول؟ كلمات يتم ترديدها وجدل واسع حول مدىّ وصول المحكمة العليا يقسم إسرائيل، وإن المفهوم القانوني لـ “المعقولية”، الذي سمح للمحكمة العليا بإلغاء التعيينات الوزارية، من بين عدة أمور أخرىّ، هو في قلب الأزمة الداخلية التي تجتاح البلاد الآن، وعندما نقض قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً إتخذه رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” في يناير الماضي بمنح وزارة المالية إلى حليف مُدان بتهمة الإحتيال الضريبي، إستخدم بعض القضاة التابعين للحكومة مفهوماً قانونياً مثيراً للجدل لعرقلة هذه الخطوة، كما فعلوا
عندما أُلغى القضاة تعيين “نتنياهو” في عام 2015 لنائب جديد لوزير الصحة.
وهذه الأنواع من التدخلات القضائية باستخدام المفهوم القانوني الذاتي لـ “المعقولية” هي في قلب ما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أخطر أزمة محلية في تاريخ إسرائيل، وإئتلاف “نتنياهو”الفاشي قام بتمرر قانون جديد من شأنه أن يمنع المحكمة العليا من إستخدام مفهوم المعقولية لإلغاء قرارات الحكومة، وهذه الخطوة وحدها كانت كافية لإعادة المجتمع الإسرائيلي إلى حافة الهاوية، ومنذ الإحتجاجات الجماهيرية في مارس الماضي، علق التحالف خططاً أخرىّ للسماح للبرلمان بإلغاء قرارات المحكمة، ومنح الحكومة مزيداً من السيطرة على إختيار قضاة المحكمة، على الرغم من مخاوف المعارضة من إمكانية إحياء هذه الخطط، إلا أن الحكومة ليس لديها وسيلة لتطبيقها حتى الدورة الشتوية للبرلمان
في أكتوبر.
وألفت: في مقالي إلى”نتنياهو” الذي يُشيد بإقرار قانون الإصلاح القضائي ويطالب الجيش بالإبتعاد عن أي خلاف سياسي، وقال: رئيس الوزراء الإسرائيلي عن إقرار الكنيست “البرلمان” لقانون التعديلات القضائية المثيرة للجدل، إن إقرار القانون خطوة ديمقراطية ضرورية، ودعا الجيش إلى “عدم الإنخراط في السياسة، وأضاف” نتنياهو”، خلال تصريحات لوسائل الإعلام، أن تحقيق إرادة الناخب ليس بأي حال نهاية للديمقراطية، بل هو جوهر الديمقراطية، وألقى باللوم على المعارضة لـ”رفضها تقديم تنازلات”، متواصلاً؛ لم يتم قبول أي من مقترحاتنا، ولا حتى مرة، ولم يذكر ما هي التنازلات التي عرضها الإئتلاف الحاكم.
لافتاً؛ إلى التصعيد الآخر الغير مسبوق حيثُ بدأ الأطباء في إسرائيل أمس الثلاثاء إضراباً عن العمل لمدة 24 ساعة، إحتجاجاً على خطة “إصلاح القضاء”، بعدما قطعت الحكومة الإسرائيلية برئاسة “بنيامين نتنياهو” خطوة جديدة مهمة في إتجاه تنفيذها، وصادق الإئتلاف الحاكم 64 نائباً من أصل 120 في الكنيست على قانون “الحد من المعقولية”، الذي يهدف إلى الحد من صلاحيات المحكمة العليا التي تمكنها من إلغاء قرارات حكومية بدعوىّ “عدم المعقولية”، وإستثنت نقابة الأطباء من الإضراب أقسام الطوارئ في جميع المستشفيات، وكذلك مستشفيات القدس “شعاري تسيديك، هداسا، كفر شاؤول، إيتانيم”، بسبب كثرة المتظاهرين في منطقة القدس والوضع المعقد هناك، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
كما ألفت؛ إلى رد الحكومة
في المقابل، حيثُ قدمت الحكومة الإسرائيلية إلتماساً إلى محكمة العمل الإقليمية، مطالبة بإصدار أمر قضائي لمنع الإضراب، وجاء في إلتماس الحكومة أن هذا الإضراب له تداعيات واضحة فيما يتعلق بتعطيل جميع العلاجات والإجراءات التي من المفترض أن تتم في جميع المستشفيات خلال ساعات الإضراب، وبالتالي قد يسبب إضطرابات كبيرة في عمل المستشفيات الحكومية، ويضر بشكل غير متناسب بالمرضى الذين يحتاجون إلى علاجات مقررة مسبقاً ودون أي تحذير كاف للسماح بالتنظيم، ويأتي إضراب الأطباء” كـ” خطوة احتجاجية وسط تزايد مشاعر الغضب في إسرائيل، مع مضي حكومة ” نتنياهو” قدماً في تنفيذ خطة إصلاح القضاء.
وعنونة الصحف الغربية والعربية «الكنيست يقر بنداً في التعديلات القضائية.. وواشنطن: أمر مؤسف»، وأبرز ما جاء فيها هو أنه بدأ الكنيست الإسرائيلي، التصويت على القراءة الثانية “لـ” التعديلات القضائية، في حين أعلن زعيم المعارضة يائير لّبيد، فشل جميع محاولات التوصل إلى تسوية بشـأن التعديلات المثيرة للجدل في إسرائيل والتي أججت إحتجاجات غير مسبوقة منذ عدة أشهر،
وأضاف “لبيد”، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت”أنه من المستحيل التوصل لإتفاق مع الحكومة بخصوص التعديلات القضائية، موضحاً؛ كان شرطنا الأساسي هو حماية الديمقراطية الإسرائيلية، ولكن من المستحيل التوصل إلى إتفاق يحافظ على الديمقراطية في ظل وجود تلك الحكومة، وبموجب هذا أعلن رئيس حزب إسرائيل بيتنا “أفيجدور ليبرمان”، أن المعارضة قررت مقاطعة جلسة التصويت على التعديلات القضائية.
وعلى صعيد أخر متصل: واشنطن تكتفي بقولها “تصويت مؤسف”وهذا ماجاء بعد إقرار مشروع القانون، حيثُ حث البيت الأبيض زعماء إسرائيل على العمل نحو التوصل إلى توافق في الآراء عبر حوار سياسي، وقالت”كارين جان بيير”، المتحدثة باأسم البيت الأبيض من المؤسف أن التصويت جرى اليوم بأقل أغلبية ممكنة، وقد أثرت الإضطرابات على الإقتصاد، وتراجعت مؤشرات الأسهم الرئيسية في تل أبيب بأكثر من 2.5 بالمئة بعد تصويت الكنيست، وواصل الشكيل خسائره أمام الدولار وأنخفض نحو واحد بالمئة،
وهدد الإتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية “الهستدروت” بإعلان إضراب عام إذا إستمر المضي قدماً في ما وصفها بإجراءات أحادية الجانب، بعدما أخفق في التوصل لإتفاق مؤقت.
وقد ساهم الغضب من تلك التعديلات في توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، إضافةً إلى تصاعد العنف الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية،
وحثت واشنطن”نتنياهو” على السعي لتوافق واسع على أي تعديلات قضائية، ودعا الرئيس الأميركي “جو بايدن”، رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في وقت سابق إلى عدم التسرع في إقرار التعديلات القضائية، قائلاً؛ إنه قلق للغاية من هذا التشريع ولكن لم يتلفت رئيس حكومة اليمين المتطرفة لهذه الدعوات ومرر مشروع القانون رغم الإحتجاجات المستمرة في البلاد، وعلى صعد متصل
أدانت؛ الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة تصويت البرلمان الإسرائيلي للحد من سلطة القضاء بإعتباره تهديداً للديمقراطية، وحذرت من أنه قد يضر بالعلاقات مع اليهود الأمريكيين، ولكن “جوبايدن” يقول فقط إن ذلك “مؤسف”!؟.
وختاماً: فإن “نتنياهو” لديه أغلبية ضيقة من اليمين المتطرف في الكنيست، لكن يبدو أنه فقد الشعب الإسرائيلي الذي يريد الحفاظ على ديمقراطيتهُ من تفكيكه، وإستفتاء للرأي، يؤكد: أن الأرض تتصدع تحت أقدام “نتنياهو” وحكومتة الفاشية والمتطرفة فلعدة أشهر ، تم تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي من العواقب، وقد تم حثه بشدة على التفاوض بشأن صفقة وبشأن إقتراح إضعاف المحكمة العليا الإسرائيلية، وهو يعُد إنتزاع مضلل للسلطة قدمه إئتلافه اليميني المتطرف، يوم الإثنين الماضي، وأقر الكنيست الجزء الأول من التشريع، ويبدو أن”نتنياهو” تجاوز الهاوية.
وماذا الان؟ فقد أشعل” نتنياهو” وإئتلافه أزمة سياسية ذات أبعاد هائلة، ربما تكون الأكثر أهمية في تاريخ إسرائيل، وملأت الإحتجاجات الجماهيرية ضد الإصلاح القضائي شوارع إسرائيل لعدة أشهر، وجلب التصويت مقاومة مفتوحة ليس فقط من يهود إسرائيل التقدميين والعلمانيين ولكن أيضاً معاقل أخرىّ للمؤسسات، فبدأت تخطط الشركات والنقابات الكبيرة للإضرابات والإغلاق، وكان الرئيس السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي، الشاباك”نداف أرغمان”من بين المحتجين في الشوارع بعد التصويت المزعوم، وقال “نداف أرغمان” إنه جاء ليعلن نهاية حكم “نتنياهو” إنه لديه إئتلاف، لكنه لا يملك الشعب لقد فقد الناس، وأعلن رسالة موقعة من قبل أكثر من “1140″ ضابط إحتياطي في سلاح الجو، وأن التشريع، الذي يسمح للحكومة بالتصرف بطريقة غير معقولة للغاية.
متواصلاً: وسيضر بأمن دولة إسرائيل، وسوف يكسر الثقة وينتهك موافقتنا على الإستمرار في المخاطرة، وحياتنا للأسف الشديد لن تترك لنا أي خيار سوىّ الإمتناع عن التطوع في الخدمة الاحتياطية، وقد؛ أرسل العشرات من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين بمن فيهم الرؤساء السابقون للجيش الإسرائيلي، والموساد والشين بيت خطاباً أعلن فيه أن التشريع يحطم الأساس المشترك للمجتمع الإسرائيلي، ويمزق الشعب ويفكك الجيش الإسرائيلي ويسبب ضرراً جسيماً لأمن إسرائيل.
نبيل أبوالياسين : الكاتب الحقوقي والباحث في الشأني العربي والدولي