كتب : نبيل أبو الياسين :
مصر والأردن تحذران استقرار الشرق الأوسط «يختنق» دون دولة فلسطين!
في قلب الشرق الأوسط، حيث تُختَزَلُ الحروبُ إلى أرقامٍ مأساوية، وتُسوَّقُ الأزماتُ كـ”صراعاتٍ لا حلَّ لها”، تَصدَحُ أصواتُ القاهرة وعمّان بتحذيرٍ تاريخي: «الاستقرارُ هنا يختنقُ كلَّ يومٍ يُحرمُ فيه الفلسطينيُّ من دولته»، تحذيرٌ ليس مجرد بيانٍ دبلوماسي، بل صرخةُ ضميرٍ تُجسِّدُ حقيقةً غائبةً عن حسابات القوى العظمى: لا سلامَ بلا عدالة، ولا أمنَ بلا كرامة، فكيف يُمكن للشرق الأوسط أن يتنفسَ وهو مُقيَّدٌ بجراح فلسطين النازفة؟
• جبهة عربية موحدة.. رسالة لم تُسمع بعد!
لم تكن الكلماتُ التي أطلقها وزيرا خارجية مصر والأردن مجرد تنديدٍ عابر، بل إعلانٌ صريحٌ عن فشلِ كلِّ المحاولات الدولية لـ”تجميد” القضية الفلسطينية، فالقاهرة وعمّان، بثقلهما الجيوسياسي وتاريخهما النضالي، تُعيدان تركيبَ المعادلة: الصراعُ ليس بين إسرائيل وفلسطين فحسب، بل بين مشروعِ إحتلالٍ استيطانيٍّ ومصيرِ أمةٍ بأكملها، وتحذيرهما المشترك هو إدانةٌ للعالم الذي حوَّلَ حقوقَ شعبٍ إلى ورقةٍ للمساومات.
• الاختناقُ ليس مجازًا.. إنه واقعٌ ملموس!
الشرق الأوسط الذي يتحدثان عنه ليس خريطةً جيوستراتيجية، بل شعبًا يُحاصَرُ في غزة، وأخرى تُهجَّرُ في الضفة، وأطفالًا يُولدون تحت أنقاضِ منازلهم. “الاختناق” الذي يحذران منه يتجلى في أرقامٍ صادمة: 75% من شباب المنطقة يعيشون تحت خط الفقر، و60% من النزاعات المسلحة لها جذورٌ في الاحتلال الإسرائيلي. حتى الدول التي وقّعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل تدفع ثمنًا باهظًا: أمنٌ هشٌّ، وشعوبٌ غاضبةٌ ترفضُ “السلام الأمريكي المزيف”.
• لماذا تَصمتُ القوى العظمى عن الجريمة؟
التحذير المصري الأردني يَكشفُ النقابَ عن تناقضٍ دوليٍ فاضح: كيف تُدان روسيا لغزوها أوكرانيا بينما تُكافأ إسرائيل على إحتلالها فلسطين؟، الإجابة تكمن في المصلحة، لا في القانون، فـ”الفيتو” الأمريكي في مجلس الأمن، والصفقات الأوروبية مع تل أبيب، وتهريب السلاح تحت ذريعة “الحق في الدفاع”، كلها أدواتٌ تُحوِّلُ جرائم الحرب إلى “حقائق على الأرض”، ولكنَّ التاريخ يُعلّمنا أن الأرضَ لا تبتلع دماء الأبرياء إلى الأبد.
•العرب بين تحذيرات القادة وصمت الشعوب!
رغم وضوح التحذير، تبقى الفجوةُ هائلةً بين خطابِ النخب السياسية وواقعِ الشارع العربي، فبينما تُشدّدُ الحكوماتُ على “الحلّ الدولي”، ترفضُ الجماهيرُ أيَّ مسارٍ يَمسُّ حقَّ العودة أو القدس، هذه المفارقة تُعيدُ إنتاجَ الأزمة: القادة يخشون المواجهة لحسابات سياسية أخرى أو لرشد سياسي وتفضيل الحلول الدبلوماسيّة، والشعوبُ ترفضُ الإستسلام، ولكنّ التحالف المصري الأردني قد يُشكِّلُ نواةً لصحوةٍ عربيةٍ تُعيدُ للقضية الفلسطينية بُعدها القومي المفقود.
• الإختناقُ الإقتصادي.. الوجه الآخر للإحتلال
ليس الإحتلالُ مجرد دباباتٍ على الحدود، بل هو أيضًا حصارٌ إقتصاديٌ يُدمِّرُ أحلامَ جيلٍ كامل، وفقًا لتقارير البنك الدولي، خسرت الدول العربية 12% من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب الصراع مع إسرائيل، بينما تُحوِّلُ الأخيرةُ الأزمةَ إلى مصدرٍ للربح: صناعة السلاح، والسيطرة على الممرات المائية، وتسويق “التكنولوجيا الأمنية”، والتحذيرُ العربي يذكِّرُ العالمَ بأنّ الإستقرارَ الإقتصاديَّ لن يتحققَ بينما تُسرقُ مواردُ الفلسطينيين.
• ماذا لو تحرَّكت الضمائرُ قبل الحدود؟
التاريخ لن يسامحَ مَنْ يتجاهلُ هذا التحذير، فالقاهرة وعمّان تُقدِّمان للعالم طريقًا واضحًا: الإعترافُ بدولة فلسطين، وإنهاءُ الإحتلال، ومحاسبةُ المجرمين عن كل الجرائم التي إرتكبت بحق الشعب الفلسطيني، لكنّ السؤال الأهم: هل ستتحوّلُ الكلماتُ إلى فعلٍ قبل أن يُصبحَ “الإختناقُ” مصيرًا لا مفرَّ منه؟
• نداء الدم: إمَّا الوحدة.. أو المصير المَجهول!
أيها العرب والمسلمون.. هل تسمعون صرخات الإختناق تتصاعد من جسد الشرق الأوسط؟!، كلُّ يومٍ من صمتكم هو نفَسٌ يُسرَق من رئتيْ غزة، وخطوةٌ جديدةٌ لإحتلالٍ يبتلع القدسَ والضفةَ بلا رادع، ” مصرُ والأردنُ” تقفان اليومَ على خط النار، وحيدَيْنِ تقريبًا، بينما تُغلقُ دولٌ عربيةٌ آذانَها وتتوارى خلفَ شعاراتٍ ميتة، كفاكم هروبًا! العدوُّ لا يُميّز بين عاصمةٍ وأخرى، فالنارُ التي تُحرق فلسطين ستَلحَقُ بكلِّ بيتٍ عربي، التوحدُ الآن ليس خيارًا.. إنه صرخةُ الدمِ الذي يسيلُ في شوارعنا، ودعوةُ الأقصى التي تُناديكم: إما أن تَنهضوا معًا، أو تُدفَنوا معًا.
وأختم مقالي حيثُ أقول: إن الشرق الأوسط يختنقُ، “نعم” ولكنَّ أنفاسَ الحريةِ لا تموت، تحذيرُ “مصر والأردن” ليس نهاية المطاف، بل صفعةٌ للعالم الغارق في صمته: لا يمكنكم إطفاءَ الشمسَ بغربال!، وفلسطين ليست مجرد أرضٍ، بل ضميرُ الإنسانيةِ كلها، فإمّا أن نتنفسَ جميعًا هواءَ العدل، أو نَسْقُطَ معًا في هاويةِ الإختناق الأبدي.