فرنسا علي صفيح ساخن
بقلم : يوحنا عزمي
ما الذي يجعل دولة كفرنسا بعراقة تقاليدها الديموقراطية التي جعلت منها دولة الحريات المدنية والسياسية ودولة
القانون الأولي في العالم ، تعيش هذا المناخ المخيف من انفلات الأمن وتسيب النظام ومن الشغب والتخريب والعنف
المسلح الذي طال العاصمة الفرنسية باريس ومعظم ضواحيها وعدداً من المدن الفرنسية الكبري ، وكأننا أمام
مشهد للحرب الأهلية في احدي دول العالم الثالث الذي غابت عنه الديموقراطية واحترام الحريات وحقوق الإنسان وسيادة القانون ؟
ما هي دواعي وأسباب كل هذا الاحتقان المجتمعي والذي جعل فرنسا تنتفض وتنفجر بهذه الطاقة غير المسبوقة من العنف والغضب الذي بدأ كالاعصار الجارف يجتاح كل ما في طريقه ،
وهو ما نستغربه في فرنسا بنظامها الديموقراطي التعددي بأحزابه السياسية بحضورها المستمر مع قواعدها الشعبية الواسعة من يمين ووسط ويسار ومن كافة الأطياف والتوجهات والألوان.
وهل ما يحدث من حرب شوارع وتمرد علي الدولة ومن خروج
علي القانون هو بسبب الاخفاق المتكرر للرئيس ماكرون في إدارته للازمات الحادة التي تنفجر من وقت لآخر، وعجزه عن تدبير الحلول التوافقية المناسبة لها ، وهو ما يجعلها تستفحل وتتعقد وتتراكم وتغلي إلي ان تصل إلي نقطة الانفجار ؟
هل ما يحدث ويتكرر هو بسبب عقليته وضيق مجال رؤيته واسلوبه الخاص في إدارة الحكم وقلة خبرته السياسية ؟
هل هو بسبب عنف الأجهزة الأمنية وعنصريتها التي يصفها بها المحتجون واسلوبها في الاستخدام المفرط للقوة لاخماد الاحتجاجات السلمية التي تندلع من حين لآخر ضد فشل سياسات النظام كما حدث مع قانون التقاعد المبكر وغيره من السياسات والتشريعات ، وهو ما وضع الشرطة الفرنسية في صدام مستمر مع هؤلاء المحتجين متذرعة في استخدامها للعنف بأنه هو ما يمليه عليها دورها في حفظ الأمن والنظام في الدولة ، وفي حماية المجتمع من خطر تفشي الفوضي والعنف ، وخروج الموقف الأمني عن السيطرة ؟
هل لأن هناك أيدي مشبوهة تعبث في الداخل لهدم الإستقرار وإشاعة الفوضي والترويج لثقافة العنف في دولة القانون الأولي في العالم ، اقصد من قوي اليمين العنصري المتطرف التي تحاول تجهيز المسرح السياسي الداخلي للقفز عليه وتصدره عندما تحين اللحظة المواتية لذلك ، وان الطريق إلي ذلك هو بمحاولة إفشال ماكرون وسياساته التي تفتقر إلي قاعدة قوية من التأييد الشعبي لها واضعاف القوي السياسية والحزبية التي تدعم توجهه السياسي ولتبرز القوي اليمينية وقتئذ علي أنها البديل السياسي الأفضل والقادر علي قيادة فرنسا نحو مستقبل يليق بها في اوروبا والعالم غير هذا الذي يمكن ان تاخذها الفصائل السياسية الأخري إليه ؟
هل هي لعبة قوي سياسية تتصارع مع بعضها كل بطريقته بهدف الوصول في النهاية إلي الحكم ؟
هل يعود السبب في الكثير مما يحدث إلي الشحن والتحريض الذي تمارسه مواقع التواصل الإجتماعي ، بدليل
ان كثير ممن يشعلون الحرائق ويهاجمون المنشآت العامة هم من الأحداث الصغار ممن قد تكون استجابتهم لهذا التحريض
وتفاعلهم معه أعلي من غيرهم من الفئات والشرائح المجتمعية الاخري؟
وهل من الواقعي تركيز معظم السبب في ما أصبح لمواقع التواصل الإجتماعي من قدرة هائلة ، كما يحاولون تصويرها
، علي تفجير المجتمعات من داخلها ولتتضاءل إلي جانبها كل الأسباب الأخري ؟
وهل يمكن ان يستوعب العقل مثل هذا السبب في مجتمع واعي وناضج ومتحضر كالمجتمع الفرنسي وهو ما يجعل من الصعب خداعه وتضليله من قبل مثل هذه المواقع ؟
هل السبب هو في سوء الأحوال الإقتصادية وتدهورها في ظل هذا السيل المستمر من الأزمات الخارجية ، والتي
يضاعف من تاثيراتها السلبية عجز الحكومة الفرنسية الحالية عن التصدي لها بالخطط والبرامج والسياسات القادرة علي احتواء سلبياتها ؟
هل هذه الموجة العارمة والمتصاعدة من التذمر والعنف والغضب هي نوع من التمرد علي الأوضاع القائمة ومن
الرفض الشعبي العام لها حتي وان لم يكن الفرنسيون جاهزين بسيناريو بديل للتغيير الذي ينشدونه ويحلمون به ؟
ما هي حكاية فرنسا مع نفسها بالضبط حتي نعرف إلي أين تتجه
بها المؤشرات الراهنة ؟