أزمة النيجر .. حل عسكري ام تسوية سياسية
بقلم : يوحنا عزمى
علاقة النيجر مع فرنسا تزداد توترا وتدهوراً وتقترب بسرعة
من نقطة الإنفجار العنيف .. فهناك حشود من النيجريين تتجمع
أمام القاعدة العسكرية الفرنسية في العاصمة نيامي تطالب برحيل الجنود الفرنسيين من أراضي النيجر ، وهناك إنذار من المجلس العسكري الحاكم في النيجر للسفير الفرنسي فيها بمغادرة أراضيها خلال ثمانية وأربعين ساعة .. وهو ما يؤشر بقرب حدوث صدام عسكري وشيك بين الطرفين.
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يتصرف بعقلية استعمارية
وهو يحاول ان يتقمص في النيجر الدور الذي سبق للرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي ان لعبه في عام ٢٠١١ في ليبيا عندما
قام بدور المحرض الرئيسي لحلف الناتو علي التدخل عسكريا
في ليبيا لاسقاط الرئيس الليبي معمر القذافي ونظام حكمه
وتم له ما أراده وخطط له ، ومن يومها لم يعرف الاستقرار طريقه إلي ليبيا ..
رفع ساركوزي مع الناتو وبدعم من الجامعة العربية وحكومة قطر ورئيسها حمد بن جاسم وقتها شعارات ديموقراطية زائفة للتمويه بها علي دوافعهم ونواياهم الحقيقية من وراء دخولهم إلي ليبيا بثرواتها النفطية الهائلة وبموقعها الإستراتيجي المتميز لتفكيكها وتقسيمها إلي مناطق نفوذ إقتصادي وسياسي لهم ويكون لفرنسا الحظ الأوفر فيها
وكانت مؤامرة كبيرة ما تزال ليبيا تحصد عواقبها وتدفع ثمنا باهظا لها رغم انقضاء اثني عشر عاما عليها غرقت فيها ليبيا في مستنقع خطير من الأزمات والصراعات والخلافات والانقسامات التي ما تزال تتفاقم وتتصاعد وتحول دون عودة النظام والإستقرار إليها.
وهو السيناريو نفسه الذي يحاول ماكرون استنساخه في
النيجر الغنية بمواردها من اليورانيوم وغيره من المواد الأولية الإستراتيجية ، ولكن هذه المرة من خلال مجموعة ايكواس الأفريقية وليس من خلال الناتو كما فعل سلفه نيقولا ساركوزي. فالعقلية الاستعمارية واحدة ، والأهداف والسيناريوهات والآليات هي نفسها .. وكل ما تغير هي المواقع والوجوه والظروف.
فالنيجر بدلا من ليبيا ، وماكرون بدلاً من ساركوزي ، وايكواس
بدلاً من الناتو .. والإتحاد الإفريقي بدلاً من الجامعة العربية .. الخ.
وكأن عجلة التاريخ توقفت عند عام ٢٠١١ ولم تتجاوزه او كأنه
رغم كل ما حدث في ليبيا من كوارث وويلات بسبب تدخل الناتو فيها ، فإنه لم يكن هناك درس دولي كبير يمكن التعلم منه.
وكما تحولت ليبيا علي يد فرنسا والناتو إلي ساحة للعنف والتطرف والإرهاب ، فسوف تمضي النيجر علي يد فرنسا وايكواس في نفس المسار .. وسوف تتحول النيجر وهي التي تبدو مستقرة وهادئة ومتماسكة الآن ، إلي بؤرة عنف وصراع مسلح سوف تمتد تداعياته الخطيرة إلي منطقة غرب افريقيا باكملها .. هذه هي بداية شيطنة وبلقنة هذه المنطقة الحساسة من العالم علي يد قوة استعمارية أوروبية لا زالت تتعامل مع دولة أفريقية مستقلة كالنيجر وكأنها احدي مستعمراتها وهي لا تتوقف عن محاولة الاستمرار في نهب مواردها الطبيعية التي يصعب عليها ان تجد بديلا لها في اي مكان آخر في العالم ، ومنذ حدوث الانقلاب العسكري الأخير، وهي تحاول ان تملي علي المجلس العسكري الحاكم بلغة التهديد والوعيد ما ليس من حقها ان تطالب به النيجر كدولة مستقلة ذات سيادة وباعتبار ان ما يحدث فيها من تغييرات سياسية هو شأن داخلي بحت يخص النيجر وشعبها وحدهم وليس من حق الآخرين إقحام انفسهم فيه ..
وبرغم ذلك ، تطالب قادة الانقلاب بالتخلي عن السلطة ، وإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم الذي كان يعمل لحساب المصالح الفرنسية اكثر منه للحفاظ علي الإستقلال الوطني لبلده والدفاع عن مصالحها القومية .. وهذا هو سر استماتة فرنسا لارجاعه إلي القصر الرئاسي من جديد ، ليس لغيرتها علي الديموقراطية في النيجر ، ولكن حرصا منها علي تأمين مصالحها في النيجر من خلاله وإذا كانت قد أعادت الديموقراطية إلي ليبيا ، فسوف تعيدها إلي النيجر.
وإذا حدث ودخلت فرنسا بقواتها إلي النيجر مدعومة بايكواس
وهو احتمال وارد ، فسوف تكون هذه هي بداية الكارثة حتي وان فشل التدخل واضطرت كل هذه القوات الفرنسية والإفريقية إلي التوقف والانسحاب .. فالحرائق لن تخمد والصراعات المسلحة بين دول غرب أفريقيا وبعضها لن تتوقف .. وسوف نكون بعدها أمام سيناريو من العنف والفوضي والإرهاب اسوأ من السيناريو الليبي بكثير .. هذا ما توقعته وما زلت اتوقعه ، وبيننا الأيام القادمة لتشهد