متابعة : محمد جمعه الشافعي
أنه من الواضح منذ عدة سنوات أن السدود التي تحمي درنة، على ساحل ليبيا على البحر الأبيض المتوسط، كانت معرضة لخطر الإنهيار، ولكن السلطات المتنافسة في ليبيا كانت مشغولة للغاية بقتال بعضها البعض بحيث لم تتمكن من رعاية الشعب الليبي، وتغافلت السدود التي كانت معرضة لأي خطر وشيك، وجاء”إعصار دانيال” ودمر المدينة وتسبب في الكارثة التي أودت بحياة الألاف من المواطنيين، فضلاًعن؛ فقد الألاف ولم يتم العثور عليهم حتى الآن.
ورغم كل التحذيرات الخطيرة بشأن سدود ليبيا ولكن ذهبت جميعها أدراج الرياح، وكان الإهمال سيد الموقف وكرثوا الإهتمام للصراعات والنزاعات السياسية والإقتتال على السلطة وأهملوا في رعاية الوطن الأساسية، وشاهدنا جميعاً ماتم نشره مراراً وتكراراً من بحث المتخصصين حول الأسباب التي قد تفشل سدود درنة، بعد عقود من الإصلاحات المؤجلة، وتحت ضغط عاصفة قوية ،والقائمين على إدارة الدولة لم تكن مهتمة، ولقد كان من الواضح لسنوات أن السدود التي تحمي درنة في ليبيا كانت معرضة لخطر الإنهيار الأكيد.
ولم تكن الأمطار الغزيرة جديدة ولا حتى الرياح القوية، فقد شاهدنا عقداً تلو الآخر وقصفوا المنطقة، وجرفوا التربة التي ساعدت على إمتصاص المياه أثناء جريانها من التلال الجافة فوق المدينة، وقد أدىّ تغير المناخ أيضاً إلى تغيير الأرض، مما جعلها أكثر جفافاً، وصلابة ومجردة من النباتات بشكل متزايد، وأقل قدرة على إمتصاص المياه قبل أن تتجمع بشكل خطير خلف السدود، وبعد ذلك كانت هناك عقود من الإهمال من قبل المسؤولين، الذين كانوا يعلمون أن السدود بحاجة إلى إصلاحات عاجلة في بلد مزقته سنوات من الحرب الأهلية، وفي ظل حكومتان متعارضتان واحدة في الغرب والأخرىّ في الشرق حيث تقع درنة.
وألفت: في مقالي إلى ماقالة الخبراء منذ فترة طويلة إن الفيضانات تشكل خطراً كبيراً على السدين اللذين يهدفان إلى حماية مايقرب من”90″ ألف شخص في شمال شرق ليبيا، وطالبوا مراراً وتكراراً بإجراء صيانة فورية للمبنيين الواقعين على أعلى التل من مدينة “درنة” الساحلية، ولكن الحكومات المتعاقبة في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا التي تعصف بها الفوضى لم تبد أي رد فعل ولا إهتمام، وكتب”عبد الونيس عاشور”، أستاذ الهندسة المدنية، في دراسة نشرت العام الماضي في مجلة جامعة “سبها” للدراسات البحتة والتطبيقية، أنه في حالة حدوث فيضان كبير ستكون العواقب وخيمة على سكان الوادي والمدينة، ولم يلتف لها المسؤولين حتى وقعت الكارثة والسؤال هنا على من تقع المسؤولية الان ومن المسؤول عن دمار مدينه بأكملها وعن الأرواح التي زهقت؟.
وللأسف تحققت هذه التحذيرات في الساعات الأولى من يوم 11 سبتمبر، عندما إستيقظ سكان”درنة”والعالم بأسرة على أصوات إنفجارات مدوية قبل أن تضرب مياه الفيضانات المدينة الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، ووجدوا أن سدين قد إنهارا، مما أدىّ إلى إطلاق جدار من المياه بإرتفاع طابقين حسب تقديرات الجهات المعنية والمختصة في هذا الشأن، مما أحدث دماراً واسع النطاق، وجرف أحياء بأكملها إلى البحر، وقد أدىّ هذا الطوفان إلى مقتل الآلاف في ثوانٍ معدودة، حيث إقتلعت المباني السكنية وجرفت الطرق والجسور.
وتباينت حصيلة القتلى، حيث قدم مسؤولون حكوميون ووكالات إغاثة مختلفة أرقاماً مختلفة، وقال الهلال الأحمر الليبي إن ما لا يقل عن 11300 شخص قتلوا وأن أكثر من 10000 آخرين في عداد المفقودين، وبعد الإبلاغ في وقت سابق عن نفس عدد القتلى، يذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الآن أرقاماً متضاربة،
والسلطات الليبية تنفي إحصاءات الأمم المتحدة حول ضحايا الإعصار وتصفها بـ “المفربكة”، ولا نرىّ حتى يومنا هذا الأرقام الحقيقية، فهل كارثة “درنة” توحد الصف الليبي الآن؟، وتنهي الصراعات الساسية الغير مبررة في البلاد، وتهتم السلطة القائمة على إدارة الدولة بالإهتمام بالشعب الليبي الذي يستحق الآن كل الرعاية والإهتمام.
وفي سياق متصل؛ أرسلت عدة دولة أطباء طوارئ ومساعدة إنسانية إلى المنطقة المنكوبة، وما يزيد من صعوبة أعمال الإغاثة هي الفوضى السياسية، وحالة الإنقسام المخيمة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، وتتنافس على السلطة في البلد حكومتان، الأولىّ تتخذ من طرابلس في الغرب مقراً لها ويرأسها “عبدالحميد الدبيبة” وتعترف بها الأمم المتحدة، وأخرىّ في شرق البلاد الذي ضربته العاصفة، يرأسها أسامة حماد، وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من الرجل القوي في الشرق المشير “خليفة حفتر”، وجراء جسامة الكارثة تبقى التعبئة الدولية قوية، وتتواصل حركة طائرات المساعدات التي تحط في مطار بنينا في “بنغازي”كبرىّ مدن الشرق الليبي، فيما تتوافد فرق إغاثة ومساعدة من منظمات دولية ودول أجنبية وعربية أيضاً.
كما ألفت ف مقالي : إلى ما قالتة وكالة الأنباء الليبية الرسمية في البلاد، إن الفريق المكلف من حكومة الوحدة الوطنية بحصر الأضرار في مدينة “درنة” قدر العدد الإجمالي للمباني المتضررة من السيول والفيضانات بنحو 1500 من إجمالي 6142 مبنى في المدينة، وأوضح الفريق في إحصائية أولية أن عدد المباني المدمرة بشكل كامل بلغ 891 مبنى وبشكل جزئي 211 ونحو 398 مبنى غمرها الوحل، كما تقدر المساحة الإجمالية للمنطقة التي غمرتها السيول والفيضانات في درنة بستة كيلومترات مربعة.
لافتاً؛ إلى ما تحدث عنه بعض فرق الأطباء المتواجدين الأن في”درنة” وأبرزهم حديث “مانويل كارتون” المنسقة الطبية لفريق من منظمة “أطباء بلا حدود” الذي وصل قبل يومين إلى “درنة”، عن وضع “فوضوي” يحول دون حسن سير عملية إحصاء الضحايا، والتعرف على هوياتهم، ولكن الوضع السياسي وحالة الإنقسام بين المؤسسات يعوقان عمليات الإغاثة، وفق ما قالت،
وبعد فتح تحقيق في ظروف الكارثة، أكد النائب العام الليبي “الصديق الصور” أن السدين اللذين إنهارا كانا يظهران تشققات منذ 1998،
غير أن الأشغال التي باشرتها شركة تركية في “2010” بعد سنوات من التأخير علقت بعد بضعة أشهر إثر ثورة 2011 ولم تستأنف منذ ذلك الحين. وندد النائب العام بوقف الأشغال متوعداً بالتعامل بشدة مع المسؤولين عن الكارثة!!.
وأشير: في مقالي إلى، ما عنونة به الصحف الغربية على صفحاتها الرسمية «فيضانات ليبيا: أمراء الحرب يستخدمون الاستجابة للكوارث لبسط السيطرة، كما يقول المراقبون»، وذكر في تفاصيل الخبر أنه مع إستمرار فرق البحث والإنقاذ في البحث عن الجثث المحاصرة تحت الطين، وأنقاض منازلهم في مدينة درنة الساحلية الليبية، يقول؛ المراقبون إن “خليفة حفتر”وأبنائه يستخدمون الإستجابة للكارثة كوسيلة لممارسة السيطرة بدلاً من ضمان وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى المدنيين.
ومازال إستمرار جهود الإنقاذ اليائسة في محاولة للعثور على أي ناجين متبقين بينما إستمرت الجثث في الإنجراف على الشاطئ. غالباً ما كان المستجيبون الأوائل على الأرض يعملون، وهم محاصرون من قبل مسلحين من الجيش الوطني الليبي، وهو تحالف عسكري مترامي الأطراف موالي لـ”حفتر”، وسط ما وصفه المراقبون بالجهود المبذولة للحفاظ على قبضة حديدية على المساعدات الحيوية التي تصل إلى المدينة المنكوبة بالأزمة، وتم إغلاق الوصول العام إلى وسط مدينة درنة، الأكثر تضرراً من الفيضانات، وتم إعلان المدينة رسمياً منطقة كوارث، ويكافح مواطنو درنة من أجل البقاء دون الحصول على الكهرباء أو مياه الشرب المأمونة أو الغذاء.
وقال: بعض المحللين في شؤون ليبيا وتحديداً في المجلس الأطلسي، إنه في الأساس هناك وجود عسكري يخلق إختناقات بدلاً من أن يفضي إلى توفير الإغاثة!، ولم يتم تسهيل الدفع الرئيسي لجهود الإغاثة من قبل القيادة العسكرية، التي كانت لها مصلحة خاصة في الظهور وكأنها تسيطر على الأمور مع التهرب من المسؤولية وإلقاء اللوم على الضحايا، ولكن بدلاً من ذلك من خلال المتطوعين والفرق الطبية والهلال الأحمر وشباب الكشافة وعمليات البحث والإنقاذ الأجنبية،
وقام “حفتر” في وقت سابق، الذي قاد حملة عسكرية للسيطرة من جانب واحد على جزء كبير من شرق ليبيا منذ عام 2014، بجولة في “درنة” المنكوبة منذ عدة أيام.
وعلى جانب العلاقات العامة، فمن الظاهر والمكشوف أمام الجميع أن “حفتر” وتابعية يستفيدون من قنواتهم الدعائية الموجودة مسبقاً للظهور كجهة مسيطرة، بينما يمثلون الواجهة الرئيسية لإدارة الإغاثة في الأزمات، ويكونون أوصياء على المدينة، ولكن مرة أخرى يؤدي هذا إلى خلق إختناقات في كل مكان، وكانت زيارة “حفتر” صورة مصغرة لهذه القضية حيث تم تجميد كل شيء لمدة ساعة من أجل حملة علاقات عامة !، وقد إستجاب أبناء “حفتر”، الذين يسيطر كل منهما أيضاً على شبكات واسعة من المصالح المالية وأحيانًا العسكرية في شرق ليبيا، للأزمة الإنسانية في درنة من خلال السعي إلى مزيد من السيطرة على الإستجابة للكوارث.
وشاهدنا وشاهد الجميع في نفس اليوم الذي ضربت فيه الكارثة مدينة “درنة”، أعلان “الصديق”، الابن الأكبر لـ”خليفة حفتر”، عن إهتمامه بالترشح لمنصب رئيس ليبيا في الإنتخابات التي طال انتظارها!!، وعلى جانب أخر شاهدنا” صدام حفتر” البالغ من العمر 32 عاماً، والذي غالباً ما يُنظر إليه على أنه الوريث المحتمل لـ”حفتر” على الرغم من جهود إخوتهُ، سرعان ما إستخدم دوره كرئيس للجنة الإستجابة للكوارث الليبية لإضفاء الشرعية على مكانتهُ الدولية مع الحفاظ على قبضته المحكمة على المساعدات.
ويترأس “صدام حفتر” في الوقت ذاتة كتائب طارق بن زايد، وهي ميليشيا تشكل جزءاً من الجيش الوطني الليبي وإتهمتها منظمة العفو الدولية مؤخراً” بـ “إرتكابها قائمة من الفظائع، بما في ذلك عمليات القتل غير القانوني والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، والإختفاء القسري والإغتصاب وغيره من ضروب المعاملة الجنسية مثل العنف والتهجير القسري دون خوف من العواقب، وفق العفو الدولية، ونرىّ ويرىّ المراقبون أيضاً أن جهود “صدام حفتر” ما هي إلا لإثبات سيطرتهُ على فرق الإغاثة الدولية التي تصل إلى درنة وشاهدنا كيف أدىّ ذلك إلى إبطاء الإستجابة الحيوية للكوارث في وقت الأزمات، وكل شيء يتركز الآن في أيدي عائلة” حفتر”، وهذا قد يعرقل تمكين أي تحقيق محلي أو دولي في الخسائر في الأرواح في”درنة” من التدقيق بشكل كامل في أدوارهم كمسؤولين، بالإضافة إلى أي أشخاص آخرين مسؤولة.
وعلى إثر هذا وعد المدعي العام الليبي “الصديق الصور” بالتحقيق في إنهيار السدين في درنة، فضلاً عن؛ تخصيص ملايين الدولارات من التمويل المخصص لصيانة الهياكل التي تم بناؤها في السبعينيات، وبينما تعهد “الصور” بالتحقيق مع السلطات المحلية في درنة والحكومات السابقة، وإلتقى أيضاً”بصدام حفتر” وذكر التلفزيون المحلي الليبي أن عمدة مدينة “درنة” أوقف عن العمل على ذمة التحقيق يوم السبت الماضي، ومازال “صدام” يقدم نفسه كرئيس، وتتجه الأمور ببطء نحو نتيجة واحدة، وهي أنه لا يمكن إلقاء اللوم إلا على المسؤولين من المستوى المتوسط، ولقد تم إستبعاد جزء كبير من الإستنتاج منذ البداية، وهو يعُد أنه ليس تحقيقاً مفتوحاً.
وختاماً؛ إنه كان من الممكن تجنب سقوط ضحايا في فيضانات ليبيا لو كان لدىّ الدولة الليبية المنقسمة هيئة أرصاد جوية قادرة على إصدار التحذيرات لكن مازالت تعاني ليبيا من الإنقسامات بسبب الصراع السياسي على السلطة والفوضى منذ 12 عاماً،
وأودت سيول وفيضانات كارثية بحياة الآلاف في مدينة درنة بشرق ليبيا، وجرفت في طريقها أحياء بأكملها، بمن فيها من الأحياء، وقذفت بالجثث في البحر،ولا يزال الآلاف في عداد المفقودين، وإجتاحت العاصفة العاتية “دانيال”ليبيا في مطلع الأسبوع المنصرم، بعد أن ضربت دولاً أخرىّ في حوض البحر المتوسط، وحملت معها كميات قياسية من الأمطار لوصولها لليابسة.