كتبت أمل زياده
اِستيقظت أماني مبكراً كالعادة وجدت والدتها تصلي الصبح جلست إلى المنضدة وهي تمسك برأسها فى إرهاق واضح ، أقبلت عليها والدتها وهى تطوي سجادة الصلاة قائلة
– صباح الخير يا أماني
– صباح الخير أمّي … هل استيقظ هيثم ؟
– لا … ليس بعد ……. سأوقظه الآن .
ذهبت والدتها إلى المطبخ لتعدّ الفطور ساعدتها أماني في نقل الأطباق إلى المنضدة التي يتناولون إفطارهم عليها وسط الصالة حيث كانت شقتهم تتكون من ثلاث غرف وصالة صغيرة .
بعد قليل اِلتف ثلاثتهم حول المائدة .
– ما بك يا ابنتي لمَ لا تأكلين ؟
– لا شيء يا أماه أشعر بتوعك
قال هيثم وهو يتناول طعامه :
– لا … تقولين ذلك كي تهربي من حفلة اليوم
قالت أماني باسمة وهي تنظر إليه :
– قل صباح الخير اولاً
– صباح الخير لن أقبل أية أعذار
– لا تقلق سأكون عندك في الموعد المحدد ، وهل أستطيع التهرب ؟!!
تناولت كوب ماء ثم أخذت ترشّه بالماء في مرح قائلة :
– هل عندنا أغلى منك يا فنان ؟ !!
صاح بغضب مفتعل :
– أرأيت يا أماه !! هي من بدأت .
نظرت إليهما والدتهما وهي تقول في سعادة :
– بارك الله فيكما ولا حرمني منكما .
قالت امانى بجدية وهى تحتمي بأمها من هيثم :
– حسناً أستسلم… ستفسد ملابسي …
رد هيثم وهو يبتسم :
– أنت من بدأتِ الأمر ، عندما لا تجدين مفراً تستسلمين ..
– حسناً ، متى سيبدأ العرض؟
– الثامنة تماماً .
– حاولي ألا تتأخري ، واعلمي أنه ربما تحضر شخصيات هامة. كلما حضرتِ مبكراً كان أفضل .
– حسناً … اِتفقنا .
بعد أن تناولت إفطارها التقطت حقيبتها قائلة :
– إلى اللقاء، أراك مساءً في المسرح …
وقصدت عملها .
كانت تعمل معيدة فى كلية العلوم قسم الفلك والأرصاد جامعة القاهرة، تقضي أغلب وقتها في معمل الكلية هي وطاقم عمل مكون من عدة معيدين دفعتها وبعض الطلبة الاوائل في الجامعة تحت إشراف رئيس القسم الدكتور محمود الذي يرى فيها وفي زملائها نبوغا نادرا وإخلاصا في البحث والعمل الدؤوب .
دعاها الدكتور محمود إلى مكتبه وهو يخبرها بموعد المؤتمر العلمي الذي سيعقد في قاعة مؤتمرات الجامعة في نفس الأسبوع ، و هو يحثها على تجهيز كلمة ستلقيها في المؤتمر .
وعدته بالعمل والاهتمام بالأمر وشعرت بسعادة لأنها المرة الأولى التي ستلقي فيها كلمة وسط مسؤولين ربما يعيرون الجامعة والكلية اهتماماً. أخذت تفكر في أهم النقاط التي قد تستعرضها أثناء إلقاءها كلمتها أمام الحضور وكيفية إستغلال هذه الفرصة كي تخدم الجامعة وأقسام كلية العلوم على وجه الخصوص … دونت عدة نقاط كعادتها في نوت صغير حتى لا تنسى ..
وبعد يوم عمل مرهق عادت إلى المنزل…
*****
على جانب آخر ………
وفى إحدى القصور الفخمة بمصر الجديدة ،
جلس شاب فى أوائل الثلاثينات خلف شاشة حاسوب وهو يكتب لصديقه مصطفى وشريكه في العمل بالخارج والذي يقيم بفرنسا برفقة عائلته عبر شبكة الانترنت :
مصطفى :
– ماهي خططك اليوم ؟هل ستخرج ؟
وسام :
– لا لن أخرج اليوم ،رغم أننا مدعوون لمشاهدة عرض مسرحي فى وسط القاهرة، لكنني سأعتذر .
– لماذا ؟
– تعلم : ” أكره القيود ” أشعر بالملل من الرسميات والتظاهر ،قمة المتعة عندي أن أجلس في غرفتي أقرأ كتابا أو أمارس الرياضة في صالة الرياضة الملحقة بالقصر ، سئمت الاضواء وتطفل الصحفيين والمصورين تعلم أنني أعشق العزلة .
– أنت شخصية عجيبة يا وسام ؟ الكل يحسدونك على ما أنت فيه وأنت تتذمر !
ضحك وسام وهو يرد عليه :
– أنت تقول ذلك لأنك لم تجرب حياتي يارجل ،لا أستطيع التحرك قيد أنملة إلا وأنا مراقب وحتى لو من بعيد، أشعر أنهم يعدّون عليّ أنفاسي .
– حسناً كما تريد وإن كنت أعتقد أنني لو كنت مكانك لاستفدت من هذا الوضع تفهمني بالطبع .. !
– تمزح أليس كذلك ؟ كيف بالله عليك ؟ أقول لك يعدون عليّ أنفاسي فكيف سيكون الأمر إذا تعرفت على هذه أو تلك ؟ولنفترض أنهم نسوا أمري قليلا هل ستنساني وكالات الأنباء والصحفيين . ثم أنت تعلم جيداً اننى لست من ذاك النوع ،من تخطف قلبي ستكون زوجتي .
كتب صديقه :
– وكيف ستجد من تخطف قلبك وأنت حبيس الغرفة يا رجل ؟
تردد وسام لحظات قبل ان يكتب :
– أنت محق ، أتدري ، سأحضر العرض بدافع التجديد ليس الا .
كتب صديقه :
– هكذا تسير الأمور … أتمنى لك مشاهدة ممتعة وسهرة سعيدة .
*********
في منزل أماني
استيقظت على يد والدتها وهي تهزها برفق قائلة :
– أماني الساعة الآن الخامسة .
قالت أماني بضعف وهي تفتح عينيها بتثاقل :
– حسناً يا أماه .
– تبدين متعبة لا داعي للذهاب .
– أنا بخير يا أماه لا تقلقي …. ثم لست على استعداد لإغضاب ولدك الفنان
غابت والدتها لحظات وعادت وهي تحمل في يدها كوب شاي قائلة :
– أماني أعددت لك كوب شاي بالليمون سيشعرك بقليل من التحسن.
ارتدت أماني ملابسها وهي تشعر أنها ليست على ما يرام وأن كل خليه في جسدها تئن ، كانت تشعر بالوهن ورغم ذلك حاولت التظاهر بأنها بخير ، أخذت تتجاذب أطراف الحديث مع أمها و هما تحتسيان الشاي في شرفة المنزل .
أعطتها والدتها الدواء قائلة :
– حرارتك مرتفعة يا ابنتي . لا تذهبي أخوك سيتفهم الامر .
– سأكون بخير يا أمي لا تقلقي تعلمين أنه دعاني أكثر من مرة ورفضت وتذكرين كيف يغضب و يقاطعنى لأيام ، لست مستعدة لمواجهات معه ، اطمئني سأكون بخير.
ربتت أمها على كتفها بحنان قائلة :
– بارك الله فيكما وحفظكما من كل شر.
ردت أماني :
– آمين …سأذهب الآن ، أراكِ في المساء .
*****
و غادرت المنزل متوجهة لمسرح الدولة فى وسط القاهرة .كانت الطرق كلها مزدحمة مما جعلها تشعر بالضجر، كلما مرت بطريق فرعي وجدته يكتظ بالسيارات انتظارا لمرور مسؤول بموكبه . ابتسمت بسخرية هاتفة لماذا لا يستخدمون طائرات في تنقلاتهم حتى يصلون للمكان الذين يقصدوه بسرعه ولا يتسببون في هذه الاختناقات المرورية القاتلة التي تثير حفيظة المواطنين وتثير سخطهم وتستفزهم .
عند المسرح لاحظت وجوداً أمنياً مكثفاً و تعقيدات مرورية مشددة ، لم تجد مكانا لسيارتها إلا في أحد الشوارع الجانبية البعيدة عن المسرح بمسافة كبيرة .
أوقفت سيارتها وهى تنظر إلى ساعتها هاتفة بسخط :
– تباً لقد تأخرت ،، حُلت مشكلة الازدحام وحُلت مشكلة ايقاف السيارة المستحيلة والان مشكلة جديدة كيف سألحق العرض لقد تعدت الثامنة .
أسرعت بخطى واسعة أقرب للعدو محاولة الوصول قبل بدء العرض .
*****
جلس في المقصورة الرئيسية للمسرح عدد من رجال الدولة وعدد كبير من رجال الأعمال البارزين فى مصر بصحبة عائلاتهم . ومن بين هؤلاء كان يجلس وسام وهو يتلفت حوله بضجر واضح بجوار والده المسؤول الكبير في الدولة و هو يوزع ابتسامات للجمهور الذي صفق بمجرد أن دلفوا للمقصورة .. وأخذوا يتصافحون فيما بينهم . زفر بضيق محدثا نفسه اهذا ما تحسدني عليه يا مصطفى ؟؟
جلس والده ووالدته على المقاعد الأمامية في المقصورة وظل جالساً لحظة متابعاً ما يدور حوله من نقاشات بين والده وأحد رجال الأعمال وهو يشعر بملل ……..
اِستأذن في لباقة قائلاً لوالديه:
– عفواً … سأغيب قليلاً ..
قالت والدته هامسة :
– لا تتأخر … سيبدأ العرض بعد قليل … لقد حجزت لك مقعداً بالقرب من ندى ،، الفتاة تهيم بك عشقاً ..
زفر بضيق قائلاً : حسناً يا أماه …
وبمجرد أن ترك المقصورة تنفس الصعداء
وقال محدثاً نفسه :
– هذا ما كان ينقصني ندى وأبوها الثقيل ،، يا إلهي كدت أن أختنق ألا يملون من التظاهر والتكلف،والتحدث عن الصفقات و المال ؟؟.
توقف لحظة مكانه والتفت إلى حارسه الذى يرافقه كظله قائلاً بجدية :
– أشعر بأني مقيد ، لست على حريتي أريد أن أشعر أنني حر طليق،على طبيعتي … هل هذا أمر صعب تحقيقه يا اشرف ؟.
قال حارسه :
– كما تأمرني يا سيدي ، لكن بما لا يتعارض مع الإجراءات الأمنية …
ظل صامتاً لحظة يفكر ثم ابتسم قائلاً :
– أشرف، طرأت عليّ فكرة الآن .
نظر إليه أشرف بتساؤل :
– .. ؟
قال وسام وهو يتوجه إلى دورة المياه :
– اِلحق بي .. !
لحق به بسرعة وهو يقول :
– ما الأمر سيدي ؟ !
في دورة المياه فوجىء به يخلع سترته ويفك ربطة عنقه ويعطيها له وبسرعة قام بفك الأزرار الأمامية للقميص وقام بتغيير تسريحة شعره و قام بالتقاط كارنيه أشرف الذى يعلقه وفيه اسمه ووظيفته .
وقام بتثبيته علي قميصه …… !
قائلاً :- ما رأيك الآن ..؟
قال أشرف مبتسماً :
– أنت شخصية عامة يا سيدي ومعروفة ولازلت معروفاً
نظر وسام إليه وقال مبتسماً :
– حسناً أحضر لي شاربا ، لحية أي شيء …
لابد أن أتخفى كليا ً حتى أستطيع التحرك بحرية و أستمتع بالوقت ……
اِبتسم أشرف قائلاً :
– حالاً يا سيدي
في هذه الاثناء وصلت أماني للبوابة الداخلية للمسرح وهي تهم بالدخول بعد أن ابرزت الدعوة التي تحملها لرجل الامن الواقف على البوابة ..،،
في حين اِختفى أشرف لدقائق ، ظل وسام حبيس دورة المياه تارة ينظر إلى الساعة ، وإلى المرآة تارة أخرى حتي سمع صوت جدال بين الحراس وبين فتاة حضرت متأخرة وكانت تصر في عناد على الدخول ورجال الأمن يرفضون بشدة سمعها تقول بعصبية وبصوت مرتفع :
– أنا دكتورة جامعية وأخي رئيس فريق التمثيل وهذه الدعوة منه ، ولا أعتقد أنه من المنطقي أن أقطع هذه المسافة ولا أستطيع حضور العرض
فكان رد رجل الأمن حازماً:
– آسف سيدتي.. لن أستطيع السماح لك بالدخول،التعليمات واضحة لا دخول بعد بدء العرض .
حدقت في وجهه بغضب وقالت بنفاذ صبر :
– اِسمع يا هذا سأدخل سواء شئت أم أبيت .
كرر رجل الأمن عبارته :
– آسف سيدتي، الأوامر واضحة الدخول قبل بدء العرض بساعة . لابد أن يتحمل كل منا عواقب تأخره .
قالت بغضب وهى تسعل :
– قبل أن تحاسبني على التأخير،حاسب السادة الأفاضل المتسببين في عرقلة حركة المرور والسبب الرئيسي في تأخيري …
بهت الرجل من جرأتها …
كان وسام يتابع ما يحدث من خلف الباب وكاد أن يتدخل لكنه تراجع ، خشية أن يلفت الأنظار بتدخله .
نظرت في ساعتها بعصبية وعدلت نظارتها وهي تقول في ضجر واضح :
– إذا لن أستطيع الدخول
رد رجل الأمن فى حسم : آسف ….
أطرقت برأسها لحظة ثم قالت :
– حسناً من هو المسؤول هنا ؟ أريد أن أقابل رئيسك … ! هيا اِتصل به ….. !!!!
دخل أشرف مسرعاً دورة المياه وبيده شارب كث ولحية خفيفة ، ونظارة طبية كبيرة ذات زجاج سميك …. اِبتسم وسام وهو يضعهما وينظر إلى نفسه فى المرآة قائلاً لحارسه:
– ما رأيك الآن ؟
نظر إليه أشرف قائلاً :
-اِختلف الأمر كثيراً الآن ،من أين أتيت بهما ؟
– أنسيت أننا في مسرح ؟؟ واتسعت ابتسامته .
بادله وسام الابتسام متفهماً ثم تابع
متسائلاً باهتمام :
– ما الأمر … من تكون تلك الفتاة ؟
– إنها أخت الفنان هيثم كامل، وجاءت متأخرة وسيادتك تعلم أن الأوامر صارمة وواضحة
ممنوع الدخول بعد بدء العرض .
نظر إليه وسام دون تعليق ثم ألقى نظرة أخيرة على شكله فى المرآة و خرج برفقة أشرف واقتربا من البوابة ، مع التفاتة من أماني التي توجهت إليهما في جرأة قائلة :
– هل أنت المسؤول هنا ؟
تبادل رجال الأمن مع أشرف النظرات بحيرة
همّ أشرف بالنفي ،
لكن وسام أمسك يده بخفة مجيباً :
– نعم سيدتي ….. ما الأمر ؟
شرحت له الموقف باختصار وسادت لحظة صمت تبادل وسام النظرات مع حارسه الذي فهمها على الفور
ثم قال بحزم لرجل الأمن الواقف أمام البوابة :
– دعها تدخل …. !
بُهت أشرف و رجل الأمن من رد فعله .
بينما ابتسمت هي قائلة لرجل الأمن :
– أرأيت …. أخبرتك أنني سأدخل ….. !
همّ رجل الأمن بالاعتراض و لكن أشرف أشار له بالصمت .
فى حين نظر وسام إليها قائلاً وهو يبتسم بخبث :
– بالرغم من الأوامر الصارمة التي تنص على عدم الدخول بعد بدء العرض ، إلا أن لديك استثناء لأن المتسبب فى التأخير ليس أنت بل …….. وصمت وهو يشير لها إشارة فهمت هي معناها .
حدقت في وجهه بدهشة فقد كانت تقول هذه الكلمات منذ دقائق .
اِبتسم وسام وهو يرى نظرات الدهشة والحيرة تعلو وجهها .
وابتعد هو و أشرف وهما يفسحان لها الطريق .
قالت وهي تتجه إلى داخل المسرح :
– شكراً لك
توجهت لمكانها في هدوء وجلست تتابع المسرحية ….
فى حين انفرد رجل الأمن بأشرف قائلاً :
– هذا مخالف للتعليمات .
قال أشرف :
– اِسمع يا إيهاب بيك لا داعي للانزعاج لا أعتقد أن وجودها يهدد الأمن العام
مط ايهاب شفتيه غير مقتنع .
عندما لاحظ أشرف الحيرة تعتلي ملامح صديقه ،قال بهدوء مطمئناً إياه :
– اِطمئن .. الأمر تحت السيطرة ، لا تقلق…
وتركه ودخل المسرح .
****
في حين كان وسام يجلس وسط الجمهور سعيداً وكانت سعادته الأكبر في أنه يتحرك بحرية مطلقة دون ملاحقة حارسه … وكان يزعجه رسائل ندى كل دقيقة وهي تتساءل عن مكانه ،، تجاهل وجود الهاتف معه من الاساس وقرر الاستمتاع بالسهرة كما نصحه صديقة وكما يأمل هو …
وفجأة وقع بصره عليها فأخذ يراقبها بين الحين والآخر .
كان يراها تارة مغمضة العينين وتارة أخرى متكئة على ذراعيها دافنة وجهها بين كفيها ، وكان الإرهاق والمرض باديين عليها بشدة …..
وبعد انتهاء العرض ، وقف الحضور تحية لأبطال العمل ووقف الجميع بانتباه احتراما للسلام الجمهوري.
وكانت قد بدأت تشعر بتعب شديد وأثناء عزف السلام الجمهوري، كانت تترنح في وقفتها وبمجرد انتهائه ألقت بنفسها على المقعد في تهالك وكان وسام يتابعها بين الحين والآخر وهو يتعجب ويتساءل:
لمَ تبدو مريضة إلى هذا الحد وتصر على الحضور واستماتت في الدخول ولم تتابع شيئا ؟؟
بدأ المسرح يخلو من الجمهوربالتدريج …
قال أشرف و هو يقترب من وسام :
– هيا بنا …
قال وسام اسبقني وانتظرني حتى أبدل ملابسي وألحق بك
– لا أرجوك .. سأنتظرك
– حسناً ، اتفقنا.